نصف الدنيا تكشف أسرارا جديدة في حياة أحمد زكي (الحلقة الأولي)
صفحة 1 من اصل 1
نصف الدنيا تكشف أسرارا جديدة في حياة أحمد زكي (الحلقة الأولي)
[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة] |
قال لي في آخر حوار طويل بيننا أنا لسه باحلم.. وصمت, وصمت أنا أيضا.. مرت حوالي عشر دقائق, إلي أن كسر حاجز دهشتي بقوله: أحلم بحياة, فأنا لم أعش بعد.. جوايا أفكار كثيرة, وشخصيات من بني وطني نفسي أجسدها.. نفسي أعيش أحمد زكي اللي حاسه دلوقتي.. أنا حاسس انني اتفطمت, اتفطمت من حاجات كثيرة, لكن مش من نفسي.. إياك يا خالد تتفطم من نفسك.. خليك زي ما انت.. عيش جوه نفسك.. خاف من نفسك وطبطب عليها, فالإنسان بلا خوف مش إنسان. عادت لحظة الصمت بيننا مرة أخري.. ارتدي نظارته الطبية, وأمسك بأوراق سيناريو أمامه للحظات, ثم خلع النظارة ونظر بعمق في عيني وقال: تعرف انت هادي ونظرتك عميقة كلها كلام, ايه رأيك تعمل معايا دور الكاتب أحمد بهاء الدين في فيلم أيام السادات بس احلق شنبك, وهنا قلت له: أنا يا أستاذ من عشاق أحمد بهاء الدين, وأعتبره بالفعل مثلا أعلي لي.. فمشواره عظيم, لكني لا يمكن أن أمثل دوره, ولا أي دور. وهنا ابتسم وقال لي: انت خايف علي شنبك؟! الموقف استدعته الذاكرة, وأنا أفتش في نفس الراحل الجميل النجم الأسمر أحمد زكي.. الفنان والإنسان.. الأصل والصورة في ذكري رحيله السابعة, حيث ودع الحياة في مارس 2005.. وكم كانت المواقف التي جمعت بيني وبينه كثيرة عبر حوارات صحفية دار أغلبها في الفندق الذي كان يقيم به أثناء تصوير فيلمه أيام السادات وكذلك أرض الخوف ومعالي الوزير وحليم, ونظرات ولقاءات عابرة بلا كلمات خلال رحلة علاجه قبيل الرحيل الصدمة.. فأصعب لحظة علي أي فنان حينما يشعر أن بداخله الأحلام تتدفق يخطفه القدر منها, دون حتي أن يساومه علي شيء.. أي شيء. كان أحمد زكي يشعر أحيانا كثيرة بعدم الرضا, فرغم إيمانه بأنه قدم مشاهد سينمائية في بلاتوه الحياة ـ كما يحب أن يسميها, فإنه يري أن الإيمان الأكبر في الإصرار علي تقديم مشاهد أهم جديدة وقادمة.. تلك المشاهد تتلخص في صور لشخصيات من واقع الحياة, أراد أن يصرخ بصوتها ويقدم حكاياتها علي الشاشة.. لدرجة أنه كان يشعرني رغم إنتاجه الكبير ـ أنه لم يقدم شيئا بعد.. فطوفان الموهبة كان يتجدد من وقت لآخر, والممثل بداخله كان يثور دائما كالبركان, يريد أن يفرج عن مكنون رؤي وشخصيات.. بل إن أحمد زكي بدا لنفسه في آخر عام في حياته وكأن لحظة توهجه الفني الذي يبغاه توشك أن تولد من جديد بأحلام جديدة. وفي لحظات أخري كنت أشعر أن بداخله خوفا من تلك الأعمال السينمائية التي قدمها للشاشة أنها سوف تفقد وتهمل, وهنا أذكر غضبه الشديد من موقف وزير الاعلام الأسبق صفوت الشريف حينما ذهب إليه وأوصاه بضرورة أن يتبني التليفزيون المصري شراء وتجديد حقوق عرض أفلامه حتي يتمكن جمهوره من رؤيتها تليفزيونيا ومن هذه الأفلام أرض الخوف, وعيون لا تنام, وطائر علي الطريق, والتخشيبة, الحب فوق هضبة الهرم, وزوجة رجل مهم, والراعي والنساء, البيه البواب, الباشا, الامبراطور, أحلام هند وكاميليا, الهروب, ضد الحكومة, موعد علي العشاء وظل يحاول مع الجهات المختصة لتنفيذ أمنيته ووصيته, لكنه كان حزينا لعدم اتخاذ أية خطوات إيجابية في هذا الموضوع وحتي في أيام مرضه كان كثيرا ما يسأل كل من حوله: هل سيتبني التليفزيون المصري فعلا هذه الوصية, هل بدأ المسئولون في التفاوض علي حق عرض أعمالي.. أولادي.. تاريخي.. إنني لم أقصر فقد قدمت أعمالا متنوعة لشخصيات مصرية. عرض أحمد زكي أيضا أن يقوم التليفزيون المصري بإنتاج أيام السادات أو حتي يشتريه بعد تنفيذه, لكنه اكتفي بمشاركة إنتاجية متواضعة للغاية, لم يعر سواء الوزير أو رجاله للأمر اهتماما, كان زكي يريد أن يحفظ تاريخه في مكتبة ماسبيرو, ولدرجة أنه قال للمسئولين خذوا فيلمي ـ ويقصد السادات ـ بسعر أقل حتي من تكلفته, فالفيلم يحكي تاريخ بطل ورئيس لمصر, لكن المفاوضات باءت بالفشل, وخسر أحمد زكي تقريبا معظم أمواله من أجل إنتاج هذا الفيلم الذي تجاوز الستة ملايين جنيه وكانت المشاركة متواضعة من التليفزيون بينما تحمل النجم الأسمر العبء الأكبر في الإنتاج وعليه أن يفعل كل شيء, كانت بحق التجربة صعبة, مر خلالها ـ حسب اعترافه ـ بلحظات إحباط كثيرة وصلت به إلي حافة اليأس. فقد ضحي من أجل تحقيق حلمه في تقديم سيرة السادات للأجيال القادمة, وكثيرا ما تنازل عن أجزاء من أجره في أعمال أخري كثيرة آمن بها وأراد تقديمها ومنها زوجة رجل مهم, الذي كشف من خلاله مبكرا وقبل 25 عاما عن الشرارة الأولي لانطلاق الثورة المصرية, عبر شخصية رجل أمن الدولة الذي صال وجال في الوطن علي حساب أي شيء, وأرض الخوف, ومعالي الوزير, وحتي ناصر 56 ما حدث مع فيلم السادات جعله يخاف بحق علي باقي أفلامه, وظل يبحث عن أي مسئول في الدولة ليقنعه بأن يكون التليفزيون المصري صاحب حق عرض أفلامه, وأن يشتري من المنتجين وأصحاب الحقوق الأعمال الأخري, لكن القدر لم يمهله, ولم يكن هناك مسئول يعي قيمة هذه الإبداعات التي طار بعضها لعدد من الفضائيات الخاصة والبعض الآخر مازال حبيسا في أماكن مجهولة. وأحمد زكي الإنسان لم ينفصل قط عن شخصيات أفلامه التي كان يتقمصها بحق لدرجة أنه كان يعيش الشخصية التي سيقدمها قبل تصويرها بشهور, وعندما أبديت دهشتي من ذلك قال لي وقبل أن أجسد الشخصية أحاصرها من كل النواحي وهذا شيء لا يرهقني. لأني أكون مستمتعا به.. فعندما ولدت لديه الرغبة في تجسيد السادات, أحضر الماكيير الكبير محمد عشوب إلي الإسكندرية وقام بعمل مكياج الشخصية له, ثم قام بقص شعره بالموس علي مدي أربعة أشهر حتي كاد يصاب بانهيار عصبي.. وارتدي ملابس الرئيس الراحل ووقف طويلا أمام المرآة, ثم جمع بعض أصدقائه المقربين وتحدث معهم بلهجة السادات وهو ممسك بالبايب الشهير, حتي اطمأن قلبه من ردود الأفعال أنه السادات بحق, حتي انه استعان بحلاق الرئيس الراحل الخاص وجعله يكرر معه نفس الحوار الذي كان يدور بينه وبين السادات, ومرت الأيام وكانت لحظة بداية تصوير الفيلم.. كان المشهد الأول هو صورة زفاف أنور السادات وهو يرتدي البدلة العسكرية علي السيدة جيهان السادات.. كان ذلك باستديو بيلا بوسط القاهرة, ووقف المخرج محمد خان يلقي عليه برؤيته في تصوير المشهد, كان يريده ان يبتسم ابتسامة عريس خلال اللقطة, لكن أحمد زكي أراد أن يبدو كرئيس يقف منتشيا وقفة منضبطة وعسكرية, ولم يعجب ذلك المخرج وعاد التصوير أكثر من مرة, وفي المرة الأخيرة وافق زكي علي رؤية المخرج أو بدا عليه ذلك, وحينما أطلق كلمة أكشن صور زكي المشهد كما أراد وضج الاستديو كله بالضحك وخاصة مدير التصوير طارق التلمساني, الذي كان يدرك أن زكي سيفعل ذلك إلا أنه يعبر عما يشعر به, وقال الفتي الأسمر لخان: أنا صورت زفاف الرئيس ثم قبل رأسه. ونظر إلينا وقال محمد خان, رغم كل الخلافات التي تقع بيننا, من أعظم المخرجين في تاريخ السينما المصرية, فنحن نتحمل بعضنا وندخل العمل ونحن علي يقين أننا سنختلف كثيرا, وبعد أن ينجح العمل نتساءل: لماذا كنا نختلف وعلي أي شيء, وقد قال لي خان أنا لو مت هتموت إنت بعدي بأسبوع.. واذا أنت مت هموت بعدك!! قبل العرض الخاص لفيلم أيام السادات.. كانت أي محاولة للاقتراب من أحمد زكي أشبه بالاقتراب من بركان يستعد للانفجار بين لحظة وأخري, فقد كان يعيش أقصي لحظات القلق وهو يستعد لعرض الفيلم الذي أخذ من عمره أربعة أعوام كاملة بين التحضير والإعداد والتصوير, فمن علي أعتاب دار العرض قال: أنا أسوأ واحد يتفرج علي نفسه, ولو اجتمع كل الذين تضايقوا مني والذين لا يحبونني لن يكون رأيهم أكثر قسوة من أحمد زكي.. ودائما أقول ربنا يهدي الناقد اللي جوايا ففي داخلي ناقد قاس, ووقف علي منصة دار العرض وقال لا تشاهدوني بأفكار مسبقة.. أرجوكم. في هذا الوقت نجح أحمد زكي في أن يكبح جماح الممثل بداخله وأن يحرم نفسه من التمثيل لمدة أربع سنوات ويعيش راهبا في أيام السادات.. حرم نفسه من مصادر الدخل من أي نوع, ومن أشياء كثيرة من أجل الفن. وفي هذا الفيلم دخل أحمد زكي الإنتاج علي طريقة هاي شلة ـ حسب تعبيره ـ كان يريد أن يعمل فيلما جميلا وألا يبخل عليه بشيء, لكنه خرج من التجربة ليكتشف أنه فاشل إداريا من حيث العقود والأرقام جهد الإنتاج يقتلني ولكنني لم أسمح أن يؤثر علي الممثل بداخلي.. لقد أخذ السادات مني أربع سنوات.. وناصر 56 أخذ من عمري سنتين.. أي علي مدي ست سنوات عملت فيلمين خسرت بسببهما ماديا وعصبيا ونفسيا.. كان من الممكن أن أمثل فيها 12 فيلما بل وأتدلل فيهم أيضا.. كل هذا تنازلت عنه لأنني مقتنع بما أقوم به فحين قدمت ناصر 56 كنت في غاية السعادة لأن هناك أناسا لا تعرف لماذا تم تأميم القناة وكيف تم وكيف واجه عبدالناصر العالم كله.. هذه الأحداث موجودة في الكتب لكن الكتب حولتها لذكري وأنا قدمتها كوثيقة تاريخية في شريط سينمائي. كان أحمد زكي يؤمن بأن الدراما, تتسلل إلي الوجدان بشكل غير مباشر فتصبح أقوي وأكثر تأثيرا من عشرات الكتب ومئات المقالات.. هذا كان هدفه من تجسيد شخصيات عبدالناصر والسادات.. وقال هذا من أجل ابني وكل الأجيال التي لا تعرف حقيقة الدور الذي لعبه كل رئيس من أجل مصر.. آه.. والذين يرددون أنني غاوي زعماء لا يدركون قيمة الممثل بداخلي, لأنني في النهاية أجسد شخصيات ما صغر من شأنها وما كبر.. فأنا عيد في أحلام هند وكاميليا, وأنا البيه البواب وسيد المصوراتي في اضحك الصورة تطلع حلوة وأنا محامي التعويضات في ضد الحكومة.. أنا عملت شخصيات متباينة.. قدمت قضايا الشباب في الحب فوق هضبة الهرم وطائر علي الطريق وأنا لا أكذب ولكني أتجمل وقدمت السياسة في البرئ وضد الحكومة.. يعني لعبت كل الأنماط.. وبقي أن أعمل شيئا آخر لأحمد زكي وللتاريخ بجانب أعمال مثل أرض الخوف وناصر والسادات. والواقع أن أحمد زكي بتجسيده لشخصيات مثل السادات وناصر دخل عش الدبابير, فقد اعترف أن بعض المتحفزين ضد السادات أصبحوا متحفزين ضده شخصيا, والذين يقفون في صف السادات يتطلعون لمعرفة ماذا فعل أحمد زكي به.. نفس السيناريو الذي تكرر معه في عبدالناصر.. وقال له البعض: إذا كنت نجحت في عبدالناصر كيف ستقدم السادات؟ وهنا قال لي زكي لا يوجد ممثل عالمي لعب شخصية رئيسه من قبل.. طيب إذا كان هناك ممثل مصري استطاع أن يفعلها لماذا لا نشجعه؟ لماذا لا نحتفي به ونعطيه حقه.. كان أحمد زكي يريد الإنصاف فقط.. كان لا يريد كلمة برافو من أحد.. فقد رهن بيته ومكتبه من أجل واحد من افلامه, وكان مستعدا لأن يرهن حياته كلها من أجل شيء يؤمن به تماما حينما أكد في حواره لي وبالتحديد لتجسيد شخصية السادات فداخله بركان لا يهدأ.. كان يريد إنجاز أشياء كثيرة ويشعر بأن الوقت ضيق والعمر قصير.. والأيام تجري.. وفي أحد صباحات يونيو 2001 قال لو لم أستطع أن أقدم فنا جيدا سأعتزل.. لكنني لا أريد الاعتزال لأن الفن رسالة إنسانية كبيرة وقد أعتزل حين لا أجد مناخا يمنحني الاستعداد للإبداع.. هنا سأعتزل بلا ندم برغبتي أو بدون.. وهذا ربما يكون قريبا. |
مواضيع مماثلة
» رفض قبول دعوى اتهام أحمد رجب ومصطفى حسين بازدراء الأديان
» صور غرف نوم اطفال جديدة
» صور اطفال جديدة جدااااااا2012
» تصاميم ملابس جديدة
» صور غرف نوم اطفال جديدة
» صور اطفال جديدة جدااااااا2012
» تصاميم ملابس جديدة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى